القاهرة - "قول حق يراد به باطل ".. "تصريحات عنترية".. هذه بعض من تعليقات الخبراء على التصريحات الرسمية المصرية التي قللت من إمكانية تأثير الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المصري.
ومنذ بداية الأزمة المالية العالمية في سبتمبر الماضي، وتصريحات المسئولين المصريين تقلل من تأثيرها على مصر، وآخر هذه التصريحات جاءت الثلاثاء الماضي على لسان وزير المالية يوسف بطرس غالي؛ حيث قال: إن التأثير المالي للأزمة العالمية على الاقتصاد المصري سيكون محدودا.
وفي تعليقه لـ"إسلام أون لاين.نت" على هذه التصريحات، أكد أحمد رشدي مدير عام البنك الأهلي (لندن سابقا) "زيف هذه الادعاءات"، معتبرا أنها: "قول حق يراد به باطل".
وقال: إن الاقتصاد المصري مرتبط بنظيره العالمي خصوصا مع الاعتماد خلال السنوات العشرين الماضية على آليات أفقدت الاقتصاد المصري بعض عناصر الوقاية الذاتية من العدوى بالأزمات العالمية.
وضرب رشدي مثلا بسوق المال المصري الذي سمحت قوانين الانفتاح الاقتصادي منذ أوائل التسعينيات للأجانب بالشراء والبيع مباشرة في البورصة المصرية، حتى بلغ حجم تعاملاتهم ما يزيد على 50% من إجمالي التداول، خصوصا في قطاع البنوك والأسمنت والحديد، مؤكدا على أن المستثمر الأجنبي يتأثر في قراره بتداعيات أسواقه الأصلية.
وأشار إلى "أن سوق الأوراق المالية المصرية مرتبطة بمتغيرات سوق نيويورك بصورة كبيرة، إضافة إلى تعرض بعض الشركات المصرية مباشرة لتقلبات البورصات العالمية بسبب إصدار أسهمها في أكثر من بورصة".
وبحسب رشدي، فإن تأثير الأزمة المالية لن ينحسر في سوق الأوراق المالية، بل إن الأزمة العالمية تعتبر "كبوة اقتصادية ستؤدي للركود، أي قلة التصدير، وبالتالي ضعف الإنتاج".
وقال: إن تأثير الأزمة العالمية واضح ومباشر في كافة المجالات بمصر، ولكن لا يمكن تحديده بالأرقام إلا بعد انتهاء الأزمة تماما لتقدير حجم الخسائر بدقة.
وعدد رشدي مسالب الأزمة قائلا: إن الانتكاسة المالية سوف تؤثر سلبا على حجم سوق العمالة في مصر من خلال تقليل فرص الحصول على عمل في ظل حالة الركود.
وحذر من عدم تحرك الحكومة المصرية لفتح أسواق في دول أخرى قائلا: إن ذلك سوف يزيد من الآثار السلبية للأزمة على كافة المستويات الاقتصادية؛ وهو ما سينعكس على الأفراد الذين ستقل دخولهم عن المعتاد.
وتشهد أسواق المال والائتمان الأمريكية عاصفة انهيار غير مسبوقة منذ الشهر الماضي، بعد انهيار بنك ليمان براذرز، رابع أكبر المؤسسات المالية في الولايات المتحدة، وأدى انهيار البنك وغيره من المؤسسات المالية إلى موجة من التأثيرات العميقة على الأسواق العالمية.
تصريحات "عنترية"
من جانبه، اعتبر ممدوح الولي، نائب مدير تحرير صحيفة الأهرام المصرية والخبير الاقتصادي، أن التصريحات "العنترية" الرسمية لن تكفي لحل الأزمة، ولكن ينبغي "تفعيل" القرارات أيا كانت، ومعرفة "القدرة التنافسية" الحقيقية في مواجهة دول الشرق مثل الصين التي ستتجه بكل قوتها إلى السوق العربي بعد إغلاق السوق "الأوروبية والأمريكية" في وجهها نسبيا.
وأشار إلى أن العبرة هنا بتفاعل المجتمع مع القرارات، وسماح الظروف الدولية لمصر بأن تتحرك بعيدا عن الدول التي تعاني بشدة من الأزمة المالية.
وقال الولي: إن الأثر المباشر لتلك الأزمة ظهر مع مستثمري البورصة الذي عانوا من انخفاضات بشكل ملحوظ منتصف سبتمبر الماضي وحتى الآن، متوقعا أن تؤدي الأزمة لبعض التشدد في "الإقراض المصرفي"؛ نظرا لوجود أزمة في "القروض"، فلا توجد ثقة متبادلة بين البنوك الآن تماما.
وتوقع أن يظهر "التأثير السلبي للأزمة في التصدير وتراجع معدلات النمو؛ نظرا لقلة الطلب على السلع المستوردة من مصر، والأهم هو حدوث ركود في السياحة التي تشكل مصدرا هاما من مصادر الدخل؛ حيث إن 65% من السياح يأتون من أوروبا"، وبحسب الولي فإن تحويلات العاملين بالخارج من الأموال لذويهم في مصر ستقل.
من جهته، أوضح عبد الفتاح الجبالي، رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن تأثير الأزمة المالية سوف ينعكس سلبا على مستويات الدخول بمصر؛ نظرا لقلة الطلب على العمالة، وارتفاع معدل التضخم، وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي.
انخفاض الطلب العام
أما محمد حسونة المحلل المالي فيشير إلى وجه آخر من الأزمة قائلا: "لا يمكن إغفال التأثيرات السلبية للأزمة المالية على مصر؛ فهناك بنوك أجنبية عاملة في السوق المصري وبعضها يعتمد القرار الاستثماري فيها على قرارات المقر الرئيسي في بلادها".
وتوقع أنه في حال تعرض البنوك الأجنبية في مقارها الرئيسية لخسائر كبيرة أو ضيق في الائتمان أن يؤثر هذا أيضا في عملياتها في مصر، كما أن تحويل أرباح هذه الشركات للخارج يمثل اقتطاعا من القوة الشرائية المصرية، وعاملا من عوامل انخفاض الطلب العام.
وفي مطلع الأسبوع الجاري عقد الرئيس المصري حسنى مبارك اجتماعا مع كبار المسئولين؛ وذلك لاستعراض المقترحات الخاصة بالإجراءات اللازمة لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على مصر.
6 مليارات دولار خسائر
وخلافا لتصريحات المسئولين في مصر، توقع الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية أن تنعكس الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المصري بالسلب؛ لكونه أصبح مرتبطا بالاقتصاد العالمي، وأن تبلغ خسائر مصر في العام المالي الحالي 2008-2009 أكثر من 6 مليارات دولار.
وحدد الوزير في تصريحات صحفية الخسائر المصرية عموما بـ 25% انخفاض في الاستثمارات الأجنبية، ومليار دولار انخفاض في فائض الميزان البترولي، و2.2 مليار دولار انخفاض في الصادرات السلعية المصرية خصوصا أن ثلثي الصادرات المصرية تذهب لأمريكا وأوروبا التي ستعاني من حالة كساد كبيرة، و2.2 مليار دولار خسائر في المجال السياحي، و600 مليون دولار نقص في تحويلات المصريين في الخارج، ونصف مليار دولار نقص في دخل قناة السويس.
بيد أن مدير إدارة الرئاسة بهيئة قناة السويس محمود عبد الوهاب توقع أن تبلغ خسائر القناة 4% فقط، أي ما يعادل 200 مليون دولار وليس 500 كما قال وزير التخطيط.
وفي إطار متصل، ذكرت صحيفة "الوفد" الليبرالية الصادرة اليوم الخميس أن أكبر عشر شركات خاصة متداولة بالبورصة المصرية سجلت خسائر غير مسبوقة تجاوزت 40 مليار جنيه (8 مليارات دولار تقريبا) نتيجة عمليات البيع المكثفة من جانب حملة الأسهم.