غزة لن تطرق الجدران!
كأنها حرب صامتة بين غزة والموت، تلك القصص والمشاهد التي تنقلها الأنباء بشكل يومي متكرر، من مناطق التماس على الحدود بين غزة ومصر. حرب صامتة، ولكنها تخاض بصورة علنية "بالوكالة" من قبل "الشقيقة الكبرى" التي يبدو أنها أنهت كل مشكلاتها الاقتصادية والمائية والسياسية في الداخل والخارج، ولم يبق لديها سوى حل "معضلة" غزة، لتنام وهي مرتاحة الضمير!.
حرب حقيقية بدأت عملياتها الأولى على شكل قتل بطيء "غير مباشر"، من خلال إغلاق معبر رفح إغلاقا كاملا بعد سيطرة حركة حماس على غزة.
وعندما قاوم الغزيون الموت "بالتهريب" عبر الأنفاق، توسعت هذه الحرب من خلال الإجراءات المشددة لمنع "التهريب" من مصر إلى غزة، في حالة نادرة ربما لم يسبق لها مثيل في التاريخ، حيث تحارب الدول عادة تهريب البضائع إلى أسواقها، فيما تعمل السلطات المصرية الآن على منع تهريب السكر والزيت والرز، و"شراشف" الأَسِرَّة، و"نكاشات البوابير!" من أسواقها إلى أسواق غزة، التي، يا للمفارقة، سقطت في أيدي الاحتلال الإسرائيلي عندما كانت تحت السيادة المصرية.
محاولات منع التهريب اشتدت منذ رفض حماس التوقيع على الورقة المصرية في تشرين أول الماضي، وبدأت بتعزيز التواجد الأمني في نقاط عسكرية تبعد أكثر من 150م عن معبر رفح؛ لضمان عدم مرور أي بضائع يشك في أنها متوجهة إلى غزة، وتوجت بالشروع في بناء جدار العار على طول الحدود بين غزة ومصر، إضافة إلى حملات التفتيش المستمرة في المناطق الحدودية بحثا عن الأنفاق التي يستخدمها الغزيون في حربهم الشرسة مع الجوع والمرض والحرمان.
ولكن الجديد في هذه الأيام هو الانتقال من القتل غير المباشر إلى مراحل متقدمة من القتل والشروع بالقتل المباشر، من خلال تفجير وردم الأنفاق، ورش الغازات السامة فيها، مما أدى إلى استشهاد ستة فلسطينيين خلال الأسبوع الماضي، وإصابة حوالي عشرة أشخاص في عمليتين منفصلتين، حسب المصادر الفلسطينية التي أكدت أن أكثر من 145 فلسطينيا ماتوا خلال "حربهم" المستمرة في مواجهة الموت البطيء الذي يفرضه الأعداء، ويشارك فيها بعض الأشقاء.
في ردها على القتل غير المباشر الذي بدأ في حزيران 2007، استخدمت غزة كل ما في جعبتها من صمود وتحد وأسلحة، وصولا إلى تدمير معبر رفح، وكافة الحواجز الحدودية مع مصر، حيث تدفق مئات الآلاف من الغزيين في يناير / كانون الثاني من العام 2008 إلى سيناء، في مشهد يستحق أن يؤرخ له كأحد الأحداث التاريخية المهمة، باعتباره الفعل "الثوري" الوحيد الذي استطاع تدمير الحدود الوهمية بين الدول العربية منذ عهد الاستقلال.
بعد هذا الحدث أعادت مصر إغلاق المعبر، واستمرت الحرب الصامتة بين غزة والموت، فأبدعت غزة باستخدام الأساليب والأسلحة، من صناعة البيوت الطينية للرد على منع مواد البناء، إلى السيارات التي تعمل بالوقود الرخيص ردا على منع دخول البنزين، إلى حرق الدفاتر والكتب والملابس القديمة لاستخدامها في التدفئة والطبخ ردا على منع دخول غاز الطهي إلى بيوت الغزيين.
ولكن السلاح الأخير الذي توصلت إليه غزة، هو اختراق الجدار الفولاذي الذي تبنيه السلطات المصرية بدعم أمريكي ومباركة إسرائيلية على حدود القطاع، حيث نقلت الأنباء أن شبانا غزيين استطاعوا اختراق هذا الجدار، وتقول الأنباء إن الشباب استغرقوا ثلاثة أسابيع ليتمكنوا من إقامة حفرة في الجدار الحصين، وأنهم قالوا للصحفيين: "إن لكل شيء حلا"!
في الرواية الشهيرة "رجال تحت الشمس" للروائي الفلسطيني غسان كنفاني، يموت ثلاثة فلسطينيين في "خزان" الماء الذي يقوده سائق فلسطيني على الحدود بين العراق والكويت؛ بسبب استغراق هذا السائق برواية قصص وهمية عن فحولته لشرطة الحدود، وعندما وجد السائق أن الثلاثة قد ماتوا ألقى بهم في "مزبلة"، وسأل جثثهم في محاولة لإراحة ضميره "لماذا لم تطرقوا جدار الخزان"؟.
في تلك الرواية لم يطرق الفلسطينيون الجدران خوفا من السجن، واستسلموا للموت تحت شمس الصحراء الحارقة، أما اليوم فقد انتهى عهد الاستسلام، وغزة لن تطرق الجدران بعد الآن، بل ستحفرها بأسنان أبنائها!
كأنها حرب صامتة بين غزة والموت، تلك القصص والمشاهد التي تنقلها الأنباء بشكل يومي متكرر، من مناطق التماس على الحدود بين غزة ومصر. حرب صامتة، ولكنها تخاض بصورة علنية "بالوكالة" من قبل "الشقيقة الكبرى" التي يبدو أنها أنهت كل مشكلاتها الاقتصادية والمائية والسياسية في الداخل والخارج، ولم يبق لديها سوى حل "معضلة" غزة، لتنام وهي مرتاحة الضمير!.
حرب حقيقية بدأت عملياتها الأولى على شكل قتل بطيء "غير مباشر"، من خلال إغلاق معبر رفح إغلاقا كاملا بعد سيطرة حركة حماس على غزة.
وعندما قاوم الغزيون الموت "بالتهريب" عبر الأنفاق، توسعت هذه الحرب من خلال الإجراءات المشددة لمنع "التهريب" من مصر إلى غزة، في حالة نادرة ربما لم يسبق لها مثيل في التاريخ، حيث تحارب الدول عادة تهريب البضائع إلى أسواقها، فيما تعمل السلطات المصرية الآن على منع تهريب السكر والزيت والرز، و"شراشف" الأَسِرَّة، و"نكاشات البوابير!" من أسواقها إلى أسواق غزة، التي، يا للمفارقة، سقطت في أيدي الاحتلال الإسرائيلي عندما كانت تحت السيادة المصرية.
محاولات منع التهريب اشتدت منذ رفض حماس التوقيع على الورقة المصرية في تشرين أول الماضي، وبدأت بتعزيز التواجد الأمني في نقاط عسكرية تبعد أكثر من 150م عن معبر رفح؛ لضمان عدم مرور أي بضائع يشك في أنها متوجهة إلى غزة، وتوجت بالشروع في بناء جدار العار على طول الحدود بين غزة ومصر، إضافة إلى حملات التفتيش المستمرة في المناطق الحدودية بحثا عن الأنفاق التي يستخدمها الغزيون في حربهم الشرسة مع الجوع والمرض والحرمان.
ولكن الجديد في هذه الأيام هو الانتقال من القتل غير المباشر إلى مراحل متقدمة من القتل والشروع بالقتل المباشر، من خلال تفجير وردم الأنفاق، ورش الغازات السامة فيها، مما أدى إلى استشهاد ستة فلسطينيين خلال الأسبوع الماضي، وإصابة حوالي عشرة أشخاص في عمليتين منفصلتين، حسب المصادر الفلسطينية التي أكدت أن أكثر من 145 فلسطينيا ماتوا خلال "حربهم" المستمرة في مواجهة الموت البطيء الذي يفرضه الأعداء، ويشارك فيها بعض الأشقاء.
في ردها على القتل غير المباشر الذي بدأ في حزيران 2007، استخدمت غزة كل ما في جعبتها من صمود وتحد وأسلحة، وصولا إلى تدمير معبر رفح، وكافة الحواجز الحدودية مع مصر، حيث تدفق مئات الآلاف من الغزيين في يناير / كانون الثاني من العام 2008 إلى سيناء، في مشهد يستحق أن يؤرخ له كأحد الأحداث التاريخية المهمة، باعتباره الفعل "الثوري" الوحيد الذي استطاع تدمير الحدود الوهمية بين الدول العربية منذ عهد الاستقلال.
بعد هذا الحدث أعادت مصر إغلاق المعبر، واستمرت الحرب الصامتة بين غزة والموت، فأبدعت غزة باستخدام الأساليب والأسلحة، من صناعة البيوت الطينية للرد على منع مواد البناء، إلى السيارات التي تعمل بالوقود الرخيص ردا على منع دخول البنزين، إلى حرق الدفاتر والكتب والملابس القديمة لاستخدامها في التدفئة والطبخ ردا على منع دخول غاز الطهي إلى بيوت الغزيين.
ولكن السلاح الأخير الذي توصلت إليه غزة، هو اختراق الجدار الفولاذي الذي تبنيه السلطات المصرية بدعم أمريكي ومباركة إسرائيلية على حدود القطاع، حيث نقلت الأنباء أن شبانا غزيين استطاعوا اختراق هذا الجدار، وتقول الأنباء إن الشباب استغرقوا ثلاثة أسابيع ليتمكنوا من إقامة حفرة في الجدار الحصين، وأنهم قالوا للصحفيين: "إن لكل شيء حلا"!
في الرواية الشهيرة "رجال تحت الشمس" للروائي الفلسطيني غسان كنفاني، يموت ثلاثة فلسطينيين في "خزان" الماء الذي يقوده سائق فلسطيني على الحدود بين العراق والكويت؛ بسبب استغراق هذا السائق برواية قصص وهمية عن فحولته لشرطة الحدود، وعندما وجد السائق أن الثلاثة قد ماتوا ألقى بهم في "مزبلة"، وسأل جثثهم في محاولة لإراحة ضميره "لماذا لم تطرقوا جدار الخزان"؟.
في تلك الرواية لم يطرق الفلسطينيون الجدران خوفا من السجن، واستسلموا للموت تحت شمس الصحراء الحارقة، أما اليوم فقد انتهى عهد الاستسلام، وغزة لن تطرق الجدران بعد الآن، بل ستحفرها بأسنان أبنائها!